قالت صحيفة ”نيويورك تايمز“ الأمريكية، إن الهجمات المسلحة الأخيرة التي شهدتها فرنسا أثارت تساؤلات في صفوف المسلمين حول مستقبلهم في الدولة الفرنسية.
وأضافت في تقرير، نشرته مساء أمس الخميس: ”الهجوم الذي شنّه مسؤولون فرنسيون، وعلى رأسهم الرئيس إيمانويل ماكرون، على ما أسموه ”النزعة الانفصالية الإسلامية“، و“العدو الداخلي“، جعلت المسلمين يتساءلون حول ما إذا كان سيتم قبولهم بصورة كاملة في المجتمع الفرنسي“.
وأشارت ”نيويورك تايمز“ إلى أن بعض المسلمين بدأوا بالفعل في الحديث عن مستقبلهم في فرنسا، وما إذا كان يتعين عليهم الرحيل من الدولة الأوروبية؛ في ظل تصاعد النقاش العام الساخن، الذي يحمل قدرا من الكراهية والعداء، والذي أججه وزراء الرئيس ماكرون، وجاء كرد فعل على قطع رأس المدرس الفرنسي صامويل بارتي في باريس، ثم هجوم نيس أمس الخميس، الذي أدى إلى مقتل 3 فرنسيين.
ومضت الصحيفة تقول: ”تعهد مسؤولون فرنسيون بالعمل على كبح ما أسماه وزير الداخلية جيرالد دارمانان العدو الداخلي، وإغلاق المساجد، وهناك اقتراحات بحظر العديد من الجماعات الإسلامية التي تعتبرها الحكومة ”متطرفة“، وامتد الأمر إلى القضاء على الأقسام الخاصة بالطعام المتوافق مع الشريعة الإسلامية في المتاجر“.
وذكرت ”نيويورك تايمز“: ”في الوقت الذي تسببت فيه تلك التصريحات في إثارة رد فعل عنيف من بعض الدول الإسلامية، فإنها أثارت ذهول المسلمين المقيمين في فرنسا، والبالغ عددهم 6 ملايين نسمة، والذين يدين معظمهم العنف، إلا أنهم يخشون في نفس الوقت من تصنيفهم على أنهم إرهابيون“.
ونقلت الصحيفة عن مهدي بلعباس، البالغ من العمر 42 عاما، وهو فرنسي منحدر من أصول جزائرية، قوله: ”بعد تلك الهجمات الإرهابية، فإنه يتعين على 5 أو 6 ملايين شخص تبرئة أنفسهم من الإرهاب، ولكننا لا نعلم حقيقة ما الذي ينتظرنا“.
وأردفت ”نيويورك تايمز“: ”الهجوم الذي تم بسكين، يوم الخميس، على كنيسة في مدينة نيس سوف يؤدي إلى مزيد من الارتباك، رغم إدانة العديد من الزعماء المسلمين للقاتل“.
وقالت نزيهة معيوفي، عضو رابطة الجماعات الإسلامية والمساجد المعروفة باسم LES Musulmans، إنها تشعر ”برهبة شديدة وحزن بالغ تجاه أسر الضحايا، أصدقائنا الكاثوليكيين“.
ولكنها قالت بعد هجوم الخميس: ”أخشى أن يشعر الساسة والمعلقون بالمزيد من الحرية في تصنيف الإسلام على أنه عدو داخلي، نحن ندفع كمسلمين الأضرار الناتجة عن الممارسات المتطرفة للآخرين“، وفقا للصحيفة.
من جانبه، قال محمد أكريد رئيس منظمة النور، وهي الجماعة المشرفة على بناء مسجد سوف ينتهي العمل به عام 2023: ”كل الأقوال والأفعال تشير إلى أن المسلمين سيكونون عرضة للاستهداف، وأنه سيتم الربط بيننا وبين هذا النموذج الجديد من الانفصالية، وسوف نكون جميعا مشتبها بنا“.
واعترف أكريد بأن الإسلام في فرنسا محاصر حاليا من جانب الفصائل المتطرفة التي لها تأثير قوي على الشباب، وخاصة على الشبكات الاجتماعية، لكنه أضاف أن حملة القمع التي شنتها فرنسا مؤخرا على المسلمين الأفراد والجماعات المتهمين بالتطرف، يمكن أن يكون لها نتائج عكسية، من خلال تعزيز الارتباك بشكل أكبر من محاربة هذا النفوذ المتفشي للمتطرفين، بحسب الصحيفة.
وأشارت ”نيويورك تايمز“ إلى تصريحات وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، الذي أعلن شنّ 250 غارة بوليسية على أفراد ليسوا بالضرورة على علاقة بالتحقيقات الجارية في الهجمات المسلحة، ولكن الحكومة الفرنسية تريد من خلال تلك الإجراءات توجيه رسالة، بأن فرنسا لن تتوانى ولو للحظة عن ملاحقة أعداء الجمهورية الفرنسية.
ونقلت الصحيفة عن أكريد قوله: ”هذه رسالة، ولكن إلى من؟، هل إلى هؤلاء الناس أم إلى كل المسلمين؟“.
ويرى فنسنت جايسر، عالم السياسة والاجتماع الفرنسي، والمتخصص في الشؤون الإسلامية في جامعة مارسيليا، أن النقاش الدائر حاليا يعكس فشلا في النموذج الفرنسي للاندماج، والذي كان يقوم على الابتعاد أو الانفصال عن الدين.
وأشار إلى أن اندماج الآلاف من المسلمين الفرنسيين في المجتمع، مع احتفاظهم بالممارسات الدينية، يعتبر من جانب بعض القادة السياسيين بمثابة ”خيانة للجمهورية“.
وقالت الصحيفة الأمريكية، إنه بعد الصدمة التي أعقبت قطع رأس المدرس صامويل بارتي، والهجمات الإرهابية الأخرى، فإن العديد من الأئمة والممثلين البارزين للجالية الإسلامية أصبحوا مدركين لمسؤوليتهم في التأكد من الترويج لـ“نسخة سلمية“ للإسلام في المساجد، ودعوة المسلمين إلى دعم الرئيس ماكرون بشكل علني في محاربة ”الانفصالية الإسلامية“.