رغم أن الوثائق الرسمية لتنظيم الإخوان الإرهابي ولإيران تتحدث صراحة عن أن مشروع كل منهما هو “غزو العالم” لإقامة الدولة الإسلامية العالمية المزعومة لكل منهما، إلا أنهما وجدا في الغرب، وخاصة بريطانيا، ملاذا آمنا لدعم تمددهما وإرهابهما، حتى وصلا لمرحلة من التضخم تهدد لندن ذاتها، وما زالت تصر على هذا الدعم.
تحدث كمال الهلباوي المتحدث السابق باسم التنظيم الدولي للإخوان في الغرب لجريدة “الشرق الأوسط” اللندنية فبراير/شباط 2006 عن أن بدايات التنظيم كانت من لدن حسن البنا مؤسس “الإخوان” الذي دعا لتشكيله منذ النشأة، ولكنه تحول إلى حقيقة على الأرض في نهاية السبعينيات من القرن الماضي على يد “إخوان” الخارج في أوروبا، قائلا إن ما ساعد على ذلك هو “الديمقراطية” التي وفرها الغرب للإخوان.
وفتحت بريطانيا للإخوان الباب على مصراعيه للاستثمار الاقتصادي وللمراكز الدينية والمساجد لتجنيد الآلاف إلى صفوفهم، بل وفتحت لهم أبواب المناصب الهامة حتى في البرلمان وقصور الحكم تحت اسم “الديمقراطية”.
وتحدثت رسائل حسن البنا بوضوح عن أن مشروع الإخوان هو غزو العالم بـ”حد السيف” خاصة للشعوب التي ترفض الانضمام إلى تنظيم الإخوان طواعية، ومع علم الغرب بتلك الرسائل، لكنه استمر في احتضان وتضخيم نفوذ أفراد التنظيم الفارين من الدول العربية المنبوذين بها، تحت اسم “لاجئ سياسي”، أو “مستثمر” أو “توفير الحريات”.
وجاء ذلك بالتزامن مع إطلاق الغرب يد إيران، منذ ثورة الخميني 1979، لنشر دعوتها المذهبية ومليشياتها وحروبها في المنطقة، مثلما حدث في حرب الخليج الأولى، وفي حرب الخليج الثالثة حين أطلقت يدها في العراق، رغم العلم أيضا بمشروع إيران لاحتلال العالم.
وأكد التعمد في “إطلاق اليد” هذا البيت الأبيض في عهد الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب الذي قال في أكتوبر/تشرين الأول الماضي إن الإدارات الأمريكية السابقة تهاونت مع الأنشطة الإيرانية وتمدد إيران بالإرهاب والعنف في الشرق الأوسط.
وينطبق هذا الأمر على بريطانيا التي لم تتخذ مواقف جادة في ردع هذا التمدد على مدى نحو 40 عاما، حتى أنها تقف بصلابة ضد خطوة ترامب لإعادة النظر في الاتفاق النووي الذي عقدته دول أوروبية وواشطن مع إيران عام 2015 وتسبب في تخفيف الضغوط عن طهران، حيث شدد وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، أثناء زيارته طهران ديسمبر/كانون الأول 2017، على أهمية الاتفاق النووي لبلاده، والتزامها به.
وينص الدستور الإيراني وقانون القوات المسلحة- بما فيها مليشيا الحرس الثوري الإيرانية- على أن مشروعهم هو نقل ما يصفونها بـ”الثورة الإسلامية” للعالم بحجة “إنقاذ الشعوب المستضعفة”، و”بسط حاكمية القانون الإلهي في العالم” ممثلا في حكم مرشد إيران وزعامته لهذا العالم، تحت مسمى الدولة الإسلامية الشيعية الكبرى.
كذلك تغاضت بريطانيا عن التحالف القائم بين التنظيم الدولي للإخوان وبين إيران، والقائم على التنسيق في نشر المليشيات الإرهابية ودعمها بالمال والسلاح، وإسقاط الحكومات العربية الرافضة للتواجد الإخواني-الإيراني.
فمن داخل بريطانيا- مقر التنظيم الدولي الإخواني- تتقاطر الزيارات المتبادلة بين الإخوان وإيران، سرا وعلنا، ومن بين اللقاءات التي تم الكشف عنها ذلك الذي وقع في يوليو/ تموز الماضي؛ حيث التقى إبراهيم منير أمين التنظيم الدولي للإخوان مع محسن الأراكى مستشار مرشد إيران على خامنئي، وذلك في لندن.
وجاء اللقاء للتنسيق بين الجانبين حول سبل دعم قطر بعد قرار الرباعي العربي (الإمارات ومصر والسعودية والبحرين) بقطع العلاقات معها لكونها داعمة للتنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها الإخوان.
وجاء اللقاء تحت شعار “التقارب بين المذاهب الإسلامية”، وهو الشعار الذي يرفع في كل المؤتمرات واللقاءات التي يحضر فيها الإخوان وإيران، فيما يجري التنسيق الحقيقي حول سبل بسط نفوذ الاثنين على الدول العربية.
ومن اللقاءات الشهيرة المعلنة تلك التي جرت عام 2011، وهي زيارة كمال الهلباوي، المتحدث باسم التنظيم الدولي للإخوان في الغرب حينها؛ حيث سافر من لندن إلى طهران، والتقى مع خامنئي، مقدما له التعهد بأن الاحتجاجات التي خرجت في مصر في يناير 2011، ستتحول إلى ثورة إسلامية على النمط الإيراني، معتبرا أن ثورة إيران هي “القدوة”.
الهلباوي وإيران
كما أكد التحالف بين الإخوان وإيران القيادي الإخواني عصام العريان الذي قال في حديث مع صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية عام 2008 إن جماعة الإخوان أيدت ما وصفها بـ”الثورة الإسلامية” في إيران منذ اندلاعها 1979 بحجة أنها قامت ضد العدو الصهيوني، وذلك بالرغم من أن تلك “الثورة” أول ما وجهت سلاحها وجهته إلى صدر العراق في حرب الخليج الأولى عام 1980.
كا نفى العريان أن يكون السُّنة في إيران مضطهدين قائلاً “لقد تم تخصيص قطعة أرض كبيرة هناك لبناء مسجد كبير لأهل السنة، وهم يجمعون تبرعات حالياً لبنائه”.
وهذا الصمت البريطاني على التحركات الإخوانية- الإيرانية ليس له منطق يبرره، خاصة وأن الجانبين (الإخوان وإيران) يعلنان في وثائقهم المعلنة صراحة أن هدفهم هو غزو العالم بما فيه أوروبا.
وإضافة لما ورد حول ذلك في رسائل حسن البنا واللائحة التأسيسية للإخوان والدستور الإيراني، وقانون الجيش الإيراني، فإن الحكومات الأوروبية تعثر من وقت لآخر على أدلة جديدة وحديثة عن خطوات الإخوان على تنفيذ مشروعهم الاحتلالي، حتى للغرب ذاته.
ففي كتاب للكاتبة السويسرية سيلفان بيسون بعنوان “المشروع الإسلامي للإخوان لغزو الغرب” قالت إن الشرطة الإيطالية والسويسرية عثرت على وثائق خلال تفتيش منزل يوسف ندا، القيادي بالتنظيم الدولي للإخوان والمقيم في سويسرا، عام 2001 مكتوب عليها “مشروع”، وتتحدث عن استراتيجية من 14 صفحة للاستيلاء على الحكم في العالم كله، يبدأ بالاستيلاء على الحكم في مصر ثم الدول العربية ثم العالم.
وتدعو تلك الوثيقة- التي نقلتها عن الكتاب صحيفة “لوتمب” السويسرية عام 2005، إلى “دراسة مراكز القوى المحلية والدولية، والفرص المتاحة لبسط نفوذها “كما تدعو إلى “التواصل مع جميع الحركات الجديدة التي تدعو إلى الجهاد على سطح الكوكب، وكل هذا من أجل تنسيق العمل الإسلامي في اتجاه واحد”.
كما تطرق المشروع إلى “غزو أكبر مساحة من الأرض”، وفي صفحة أخرى وجد المحققون عبارة “إننا ذاهبون إلى أوروبا للمطالبة بنظام موازٍ، وإنشاء حصة في البرلمان للمسلمين”، الأمر الذي صار قائما بالفعل في بريطانيا”.
وبالرجوع للتساؤل حول لماذا صمت الغرب عموما، وبريطانيا خاصة، أمام تمدد الإخوان وإيران، مع التلويح فقط بتهديدات أو عقوبات لا تقدم ثمارا حقيقة في مكافحة الاثنين، يمكن استلهام الإجابة- كمحاولة للفهم وليس بالأمر القاطع- في كتاب “الشيطان أمير العالم” لضابط الاستخبارات الكندي الراحل وليام جي كار الصادر في القرن العشرين، حول لماذا تركت أوروبا والولايات المتحدة الفكر الشيوعي يتمدد حتى وصل إلى القيام بثورة 1917 في روسيا، ثم يتمدد في أوروبا بالإلحاد ويضعف المسيحية ويتمدد في العالم تحت اسم “الفكر الثوري”، سرا وعلنا، ليطحن الكثير من الأنظمة والدول.
وأجاب جي كار بأن من وصفهم بـ”سادة بيوت المال في العالم”، ويقصد المسيطرين على الاقتصاد العالمي وتوجيه الرأي العام العالمي جعلوا من الشيوعية مرحلة من مراحل تدمير الحكومات والأديان التي يرغبون في تدميرها أو إضعافها في العالم بالحروب ونشر الإلحاد بدلا من التمسك بالمسيحية وغيرها من أديان سماوية، وأنه بعد تحقيق هذا الغرض سيتخلصون من الشيوعية ذاتها بجعلها تدمر نفسها بنفسها.
وقد تم هذا بالفعل بعد وفاة الكاتب عبر إسقاط الاتحاد السوفيتي على يد أشخاص من داخله في نهاية التسعينيات.
كما نقل الضابط الاستخباراتي عن وثائق وشهادات رسمية عديدة نشرها في كتابه الذي وضعه عام 1958 أن المرحلة القادمة من إضعاف الحكومات والأديان ستتركز في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي والتي اعتبر أنها ستكون بمثابة “الحرب العالمية الثالثة”.
وقال إن هذه الحرب لن تكون تقليدية كغيرها، بل سيكون عنوانها “الإرهاب” عبر دعم “سادة بيوت المال العالمية” هؤلاء لحركات ثورية ودينية تنشر الإرهاب بطرق تهدف لإضعاف الإسلام وتكريه شعوب المنطقة فيه، كما تحرضهم على إسقاط دولهم، لتترك تلك الحركات الشرق الأوسط ممزقا ضعيفا واهنا يسهل على “سادة المال والتخطيط الدولي” (والممثلون في دول وبنوك عالمية ومنظمات دولية وشركات متعددة الجنسية إلخ) الاستحواذ على المنطقة بأقل تكلفة.
ويبدو أن احتضان ورعاية الغرب لتنظيم الإخوان الإرهابي وما تفرع عنه من حركات إرهابية تكفيرية وآخرها داعش يسير في هذا الاتجاه بنشاط، خاصة مع الكشف عن دعم وتمويل منظمات دولية وحقوقية وأحد “سادة المال العالمي” كجورج سوروس لما يسمى بـ”ثورات الربيع العربي” التي برز فيها بقوة نفوذ كل من إيران والإخوان.