لم تكتف تركيا بمساهمتها المباشرة في تدمير سوريا عبر تسهيلها دخول جحافل الإرهابيين من شتى بقاع المعمورة إلى سوريا من خلال حدودها الطويلة مع الجمهورية العربية السورية.
ولم تكتف أيضاً باحتلالها أجزاء كبيرة من الأراضي السورية ومشاركة جيشها في دعم مختلف الجماعات الإرهابية بما في ذلك توفيرها الغطاء العسكري لفرع القاعدة في سوريا وهي جبهة “النصرة” الإرهابية التي صنفتها جميع دول العالم، بما في ذلك تركيا، على أنها منظمة إرهابية خرجت من رحم “قاعدة” أسامة بن لادن وأعوانه، هذه المنظمة الإرهابية تسيطر فعليا على محافظة إدلب السورية وهي المحافظة التي تقع تحت الاحتلال العسكري التركي والذي يمثل غطاء حاميا لهذه المنظمة وغيرها من المنظمات الإرهابية.
كل هذه الأفعال التي تتنافى مع مبدأ العلاقات بين الدول واحترام السيادة بغض النظر عن الخلافات السياسية، يبدو أنها لم تُشبع الأهداف السياسية للنظام التركي، فتعدت ممارساته هذه أفعالاً لا يمكن أن تقوم بها أي دولة تحترم دم الإنسان، حيث تقوم في الفترة الأخيرة بالمتاجرة سياسيا بدم الإنسان من خلال إرسال مقاتلين سوريين إلى جبهات القتال في الدول التي تسعى أنقرة إلى تثبيت أقدام لها فيها، مثل ليبيا وأخيرا، إلى منطقة ناغورني قره باخ التي تشهد حربا بين أذربيجان وأرمينيا، الأمر الذي دفع بروسيا، وهي التي تحتفظ بعلاقات قوية مع أنقرة وتنسيق كبير في الأزمة السورية، إلى كشف هذه الحقيقة التي طالما حاولت أنقرة التملص منها.
المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، قالت أثناء موجز صحافي: “بحسب المعلومات الواردة، يجري الآن نقل عناصر للتنظيمات الإرهابية الدولية من الشرق الأوسط، وأيديهم مغطاة بالدماء، إلى منطقة نزاع قره باغ، والحديث يدور عن مرتزقة متطرفين ينتهجون الآيديولوجية الجهادية”، في حين كان رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية سيرغي ناريشكين أكثر وضوحا وصراحة في هذا الأمر عندما قال إن “المخابرات الشريكة في الشرق الأوسط ساعدت موسكو في الحصول على معلومات دقيقة حول مشاركة مسلحين سوريين في معارك قره باخ”، مشيرًا في نفس الوقت إلى مشاركة الاستخبارات التركية في هذه الأحداث عندما قال: “نشعر بعمل الاستخبارات التركية ونرى عناصر معينة من هذا العمل”، في نفس الوقت قال ألين سيمونيان نائب رئيس برلمان أرمينيا، إن بلاده على استعداد لعرض المسلحين الأجانب المأسورين في إقليم قره باخ على سفراء الدول، قائلا: “لدينا مرتزقة أسرى من سوريا وليبيا، وهم يتحدثون عن كل شيء”.
روسيا لا تضمر عداء سياسيا تجاه تركيا، بل على العكس من ذلك فإن العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات تتطور بوتائر سريعة وبدعم من قيادتي البلدين، بل إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحدى حليفه الأكبر في حلف الناتو، أي الولايات المتحدة الأمريكية عندما رفض الرضوخ لمطلبها، وتهديداتها واشترى منظومة الدفاع الجوي الصاروخية الروسية إس 400، وبالتالي فحين تصدر تصريحات من أعلى مسؤول استخباراتي روسي عن ضلوع الاستخبارات التركية في نقل مسلحين سوريين إلى ساحة النزاع في قره باخ، فإنها تصريحات مبنية على حقائق تملكها هذه الأجهزة، وليست مجرد اتهامات ذات أهداف سياسية.
تصريحات الاستخبارات الروسية والمسؤولين الروس عن ضلوع تركيا في نقل مقاتلين سوريين للقتال إلى جانب حليفتها أذربيجان في النزاع حول ناغورنو قره باخ، صادرة عن طرف يحتفظ بعلاقات جيدة مع تركيا، ولكن لم تكن روسيا على استعداد لأن تخفي هذا العمل التركي المخالف للقانون الدولي ولحقوق الإنسان، ذلك أن التصرف التركي يعني بالنسبة لروسيا اقتراب مقاتلين إرهابيين نحو حدودها الجنوبية وفي الحزام الذي يعتبر مناطق مصالح استراتيجية لروسيا على مدى عدة قرون.
التصرف التركي بنقل المرتزقة من سوريا إلى منطقة النزاع الأذري الأرمني، ليس هو التصرف الوحيد من هذا النوع، فقد سبق أن وجهت عدة جهات أصابع الاتهام إلى أنقرة بأنها قامت بنقل مرتزقة من ساحة القتال في سوريا إلى ليبيا لدعم حليفها فايز السراج رئيس حكومة الوفاق في طرابلس، وبالتالي فإن ما نشاهده الآن من تصرف تركي في هذا النزاع بين الدولتين، باكو، ويريفان، بات سلوكا سياسيا معروفا تمارسه تركيا التي تعتقد أن هؤلاء المرتزقة الذين نالوا احتضانا واسعا ودعما قويا ومتواصلا من جانب تركيا، هؤلاء الآن أوراق تستخدمها وقت وأين ما أرادت، والوقائع على الأرض تؤكد ذلك.